المسرح الإماراتي بين وهج المهرجانات ونبض الحياة اليومية

البيان / وفاء السويدي.

يعد المسرح أحد أهم أعمدة المشهد الثقافي في الإمارات، حيث يشهد زخماً متواصلاً بين المهرجانات الكبرى التي تثري الساحة الفنية وتسلط الضوء على أبرز المواهب، وبين الممارسات اليومية التي تحافظ على استمرارية هذا الفن العريق وترسخ حضوره في الحياة الثقافية.

إعلان

وقد أولت الإمارات المسرح اهتماماً كبيراً من خلال الدعم المؤسسي والرسمي، إلى جانب المبادرات المجتمعية والورش والبرامج التدريبية المستمرة التي تواكب تطور الحركة المسرحية عالمياً. وفي هذا السياق، أجرت «البيان» استطلاعاً شمل عدداً من مبدعي المسرح الإماراتي، من ممثلين ومخرجين وكتاب، للحديث عن واقع المسرح بين الازدهار الموسمي والممارسات اليومية التي تضمن له الاستمرارية، فجاءت آراؤهم كاشفة لتحديات هذا القطاع ورؤيتهم لمستقبله.

حركة مسرحية

وأكد الممثل والمخرج المسرحي إبراهيم سالم، أن المسرح الإماراتي يزدهر بقوة ويعد من أهم المسارات المسرحية في العالم العربي، وليس في الخليج فقط، حيث برزت أسماء قوية قادرة على المساهمة في خلق حركة مسرحية عربية شاملة. وأشار إلى أن الحديث عن الازدهار يقتصر غالباً على العروض المسرحية، وهو ما يراه إشكالية في الطرح.

فالمهرجانات تغطي السنة كلها، ولا يكاد يمر يوم من دون بروفات أو تحضيرات، خصوصاً في الشارقة، حيث يحظى المسرح بدعم كبير من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، حيث تحتضن الشارقة وحدها 7 مهرجانات مسرحية عربية ومحلية.

وأضاف أن الإمارات عامة تزخر بمهرجانات عدة منها مهرجان الفجيرة للمونودراما، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، إضافة إلى المهرجانات الخاصة في أبوظبي، إلى جانب مهرجان مسرح الطفل الذي يقام في أكثر من إمارة.

وأردف: غير أن المشكلة الجوهرية، تكمن في تعريف المسرح بذاته، مؤكداً أن ما يقدمه بعض نجوم الشباك من «إفيهات» وتعليقات لا يعتبر مسرحاً حقيقياً، لأن العمل المسرحي يجب أن يقوم على قصة متكاملة ذات بداية ووسط ونهاية، وفيها حبكة واضحة. وشدد على أن المسرح ليس مجرد عروض، بل هو ورش ومحاضرات وندوات ونقاشات دائمة، مشيراً إلى أن المسرح هو «أبو الفنون»، وأن كل ما يتعلق بالفنون والثقافة يصب في العملية المسرحية، متابعاً: لذلك فإن الازدهار الحقيقي يتجسد في المتابعة المستمرة، والاطلاع على التجارب الفنية المختلفة، والاستفادة من الخبرات العالمية. ولفت إلى أن وجود الشباب المسرحيين والدعم الكبير الذي يلقونه في الدولة، يمثل الركيزة الأساسية لازدهار المسرح الإماراتي.

استحقاق مسرحي

من جهته، أكد الكاتب المسرحي أحمد الماجد، أن مواسم المهرجانات في العالم كله لا تصنع مسرحاً، لكنها تثري التجربة وتسلط الضوء على أبرز العروض والمواهب. ويرى أن المسرح الإماراتي لا يمكن وصفه بالموسمي، فهناك مبادرات مستمرة على مدار العام، خصوصاً في الفترة الممتدة من نهاية مايو وحتى سبتمبر، حيث تتوقف المهرجانات.

وأشار إلى أن الورش المسرحية الخاصة بمختلف عناصر العرض تبقى مستمرة خلال هذه الفترة، سواء تلك التي تؤطرها المؤسسات والدوائر الثقافية، أم التي تنظمها الفرق المسرحية نفسها، مضيفاً: هناك استعدادات ومشاركات في الاستحقاقات المسرحية المحلية، فضلاً عن التحضير لمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة الذي ينطلق عادة مع نهاية الموسم المسرحي السنوي.

أما عما يحتاجه المسرح الإماراتي ليوازن بين نشاطه الموسمي واستمراريته اليومية، فيوضح الماجد أن الدعم متوفر والبنية التحتية ممتازة من حيث حداثة القاعات وتجهيزاتها، إضافة إلى أن المسرح أصبح مادة تدرس في المدارس، وهو ما يعد نصراً كبيراً للمسرح الإماراتي. لكنه يرى أن التحدي الأساسي يكمن في جذب الجمهور عبر الترويج الذكي للعروض، وربط القضايا المطروحة بالمجتمع، لخلق حالة تواصل مباشرة بين المسرح والناس، بما يجعل العروض مطلباً جماهيرياً دائماً.

جهود متواصلة

من جانبها، أكدت الفنانة والمخرجة المسرحية إلهام محمد، أن المسرح الإماراتي لا يقتصر على مواسم المهرجانات، بل هناك جهود متواصلة على مدار العام تحافظ على حضوره وتسهم في تطوره. وأوضحت أن المهرجانات الكبرى مثل «أيام الشارقة المسرحية» و«مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما» تعد منصات مهمة لإبراز الإنتاج المسرحي وجذب الجمهور والنقاد، لكنها ليست سوى ذروة الجهود وليست كلها.

وأضافت: بعض الممارسات اليومية تضمن استمرارية المسرح الإماراتي، ومنها: الإنتاج المسرحي المستمر، حيث تواصل العديد من الفرق المحلية تقديم عروضها في المراكز الثقافية والمسارح على مدار العام، ما يبقي الصلة دائمة مع الجمهور.

إضافة إلى ورش العمل والدورات التدريبية التي تعنى بتنمية المواهب الجديدة في التمثيل والإخراج والديكور والكتابة، وكل تلك العوامل تشكل بيئة خصبة لإعداد جيل مسرحي جديد. وأشارت إلى أن الدعم المؤسسي الذي تقدمه وزارة الثقافة ودائرة الثقافة في الشارقة ومؤسسات أخرى، يضمن استمرارية المشاريع المسرحية خارج المناسبات الرسمية، والجمهور المسرحي الذي، رغم قلته مقارنة بالسينما، يبقى جمهوراً مخلصاً ومتابعاً للعروض بشكل مستمر، وهو حجر الأساس لاستمرارية المسرح.

وترى إلهام أن المسرح الإماراتي كي يحقق التوازن بين نشاطه الموسمي واستمراريته اليومية، فإنه يحتاج إلى التركيز أكثر على جوانب رئيسية، منها تطوير المحتوى والعروض، بحيث لا يقتصر الأمر على الأعمال الكبيرة التي تقدم في المهرجانات، بل يتم إنتاج عروض متنوعة وصغيرة الحجم ومبتكرة، إلى جانب استغلال التراث الإماراتي وتوظيف القصص الشعبية والحكايات المحلية في أعمال معاصرة، مع إتاحة المجال أمام المواهب الشابة.

وأضافت: كذلك ينبغي التواصل مع الجمهور بشكل مستمر من خلال تفعيل المسرح المدرسي باعتباره حجر الزاوية في تكوين جمهور المستقبل عبر برامج وورش عمل مسرحية تقام في المدارس، إضافة إلى، الدعم المؤسسي والمالي، من خلال وضع سياسات وخطط طويلة الأمد تركز على المسرح اليومي وليس الموسمي فقط، وتنويع مصادر التمويل عبر الشراكات مع القطاع الخاص ورعاية الشركات إلى جانب الدعم الحكومي.