المصدر:
- الإمارات اليوم
- ديانا أيوب – دبي
يحظى مسرح الشباب في الإمارات بدعم معنوي ومادي من جهات ثقافية عدة، تمكنت من رفع مستواه، إلا أنه وعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا الإطار، مازال يواجه العديد من التحديات والمشكلات التي تحتاج إلى استراتيجيات تطويرية ترفع من مستوى الأعمال الشابة لتحاكي المجتمع وقضاياه.
وأكد فنانون ومختصون في مجال المسرح لـ«الإمارات اليوم»، وجود فجوة بين العاملين في المسرح الشبابي والجمهور وقضايا العصر، مشددين على أهمية وضع مزيد من الخطوات التطويرية والدعم المادي للارتقاء بالأعمال إلى مستوى الفرجة المسرحية.
وطالبوا – في الآن ذاته – الشباب بالاشتغال على أنفسهم، والسعي إلى رفع وعيهم بكل ما يخص «أبوالفنون»، عبر الحرص على حضور ورش العمل المتخصصة التي تنظمها العديد من الجهات، وفي مقدمتها هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، لافتين إلى أهمية مشاركة الجيل الجديد في المهرجانات المسرحية بهدف الإعلان عن أنفسهم، ومخاطبة ذائقة المتلقي، وليس من أجل الجوائز فحسب، كما تصنع الأغلبية للأسف.
خروج من «التقليدية»
وقالت مدير إدارة الفنون الأدائية بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة)، فاطمة الجلاف: «يشهد مسرح الشباب تطوراً ملحوظاً، وبدأ يخرج من المنظومة التقليدية، ولكن مازال العاملون فيه بحاجة إلى مزيد من الثقافة والوعي، كما أن هناك حاجة إلى تحويل الدعم الحكومي الذي يقدم للشباب من مجرد مال مخصص لإنتاج العمل، إلى البدء بشكل ما في توظيفه، سواء في تأسيس شركة إنتاج أو حتى مسارح».
وأضافت: «أُشرف على مهرجان دبي لمسرح الشباب، ومن خلاله لاحظت قلة النصوص الجيدة، كما أن المبادرة للكتابة خجولة، والتجارب التي وجدت في مجال النص، إما مستهلكة أو متكررة، أو لا تبحث في قضايا المجتمع».
وأكدت أن «دبي للثقافة» ستنظم ملتقى خاصاً بالمسرح خلال هذا الصيف، لتقديم آليات العمل المسرحي وكيفية البدء بالمسرحية، مشيرة إلى وجود قيود في عمل الشباب، وقد تكون بسبب قلة الدعم، أو أنها قيود من الإدارات في المسارح الأهلية.
وتابعت فاطمة الجلاف: «خلال مهرجان دبي لمسرح الشباب يتم تقديم 60 ألف درهم لكل فرقة، وهذا المبلغ في الوقت الراهن ربما ليس كافياً لإنتاج عمل متكامل»، لافتة إلى أن السؤال المطروح في حال زيادة هذا الدعم: هل يمكن إنتاج أعمال تتناسب مع الحراك الثقافي في دبي على مختلف المستويات، لأن ما يتم تقديمه بعيد عما يحدث على أرض الواقع.
ورأت أن هناك شبه غياب من العاملين في هذا الميدان عما يحدث في الحالة المسرحية بالإمارات، مطالبة هؤلاء بضرورة مشاهدة كل ما يحدث على الخشبة، من أجل الوصول في أعمالهم إلى مستويات أعلى، والاستفادة من كيفية الإنتاج والابتكار، إذ إن زيادة الدعم لابد أن تُقابل برفع جودة العمل، وتقديم أعمال مستدامة يمكن الاستثمار فيها خارج الدولة أيضاً.
وعن الجهود التي يمكن بذلها من أجل حل مشكلات المسرح، أوضحت أن «دبي للثقافة»، عملت على إجراء مسح للتحديات في الإمارة، بدءاً من وجود مسرح وطني متكامل، وصولاً إلى التعاون مع أكاديميات متخصصة لتدريب المسرحيين، خصوصاً أن أغلبيتهم من الهواة، وسيتم العمل على التغلب على تلك التحديات. ووصفت وضع المسرح بـ«الجيد»، وإن كان بحاجة إلى تغييرات كثيرة، ومن الضروري التوجه إلى مختلف شرائح المجتمع والثقافات المختلفة التي تعيش على أرض الإمارات.
ونوهت بأنه من الضروري أن يعمل الشباب على زيادة وعيهم بمجهود شخصي دون الاتكاء على الدعم، ولابد لهم من حضور ورش العمل التي تنظمها «دبي للثقافة».
حاضنات حقيقية
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الوطني، ياسر القرقاوي، إن «المسرح الشبابي في الإمارات يحتاج إلى اهتمام من جميع المؤسسات المعنية، فعندما نتحدث عن المواهب، فهم بحاجة إلى حاضنات حقيقية تعمل على مدار العام، بحيث تكون بيئة ثقافية تحتضن مواهبهم وتنميها عبر التدريب، وهم بحاجة إلى النصح، وكل ذلك غير متوافر إلا في دبي والشارقة فقط». وأضاف: «نحن مقبلون على عصر الذكاء الاصطناعي، وهناك حاجة إلى وعي حقيقي وتأهيل الناشئة والشباب للمرحلة المقبلة، فالذوق العام يتغير بمتغيرات المرحلة».
ورأى القرقاوي أن التحدي الحقيقي لمسرح الشباب اليوم يكمن في تأهيل الطاقات لما يعرف بالصناعات الإبداعية والذكاء الاصطناعي، إذ إن ذلك سيحوّل شغف المبدعين منهم إلى التمكين في صناعة العرض المسرحي ليكون دخلاً لهم كأفراد، ويكونوا هم جزءاً من الاقتصاد الوطني، إضافة إلى توجيههم بكيفية العمل على الذوق العام للمجتمع العالمي في الدولة، بما يتناسب مع الهوية الوطنية والثقافة العربية.
وحول الدعم الذي تقدمه المؤسسات الثقافية، رأى أن «الجهات الثقافية تقدم دعماً مهماً، ولكنه غير كافٍ، فالدعم المادي والمعنوي موجود في دبي كونها الحاضنة لـ(مهرجان دبي لمسرح الشباب)، لكن الشباب بحاجة إلى تضافر الجهود، كالتعاون مع وزارة الشباب كونها مؤسسة اتحادية، والمؤسسات الإعلامية المحلية في كل إمارة، فقطاع الصناعات الإبداعية ينمو في كل المجالات إلا المسرح، علماً بأن المسرح هو أبوالفنون ويمكن باهتمام ممنهج أن يتحول إلى نواة اقتصادية وثقافية مهمة جداً تتنامى بسرعة، ضمن منظومة تكاملية بدعم معنوي ومالي بسيط».
وشدد على أن «المسرح في المرحلة الحالية لا يرتقي للطموح مقارنة بالقطاعات الأخرى، ويجب إدراجه ضمن أجندات المؤسسات الاتحادية والمحلية، فالاستثمار في الشباب من أولويات قيادتنا، ومن المهم إدراج المسرح ضمنها بما يتناسب مع التنمية الشاملة للدولة ضمن ممكنات تنمية المجتمع»، مقترحاً طرح مشروع تحت عنوان «المسرعات الشبابية المسرحية».
معالجات درامية
وحول أزمة النص التي يواجهها المسرح، أشار القرقاوي إلى أنه من الممكن تخطي أزمة المؤلفين الشباب عبر خطوات عدة «أولها العمل على ما يعرف بإعادة تناول النصوص العالمية والعربية الموجودة في المكتبة العربية، وترك المعالجات الدرامية ضمن مهام شابنا المخرجين في التناول والطرح، والاستعانة بالخبرات العربية والمحلية في مساعدة المواهب الشابة في تقنيات الكتابة، وقد تكون الجوائز المجزية والمشجعة ضمن الحلول السريعة».
واعتبر أن «استراتيجية التطوير وتخطي تحديات العمل المسرحي تكمن في تهيئة الحاضنات الخاصة بالمبدعين الشباب، وتوفير الدعم الحكومي المباشر من بنية تحتية تكاد تكون شبه معدومة، ودعم مادي للفرق المسرحية وخاصة الشبابية».
مناخات تعلم
من جانبه، عدّد المؤلف والممثل مرعي الحليان، العديد من المشكلات التي تواجه المسرح الشبابي، مشيراً إلى أن «دبي للثقافة» بذلت جهداً من خلال تأسيس «مهرجان دبي لمسرح الشباب»، الذي تدعمه بورش الكتابة وبناء الفرجة والإخراج والتقنيات الفنية، وهذا الجهد يوفر مناخات تعلم وحاضنات لصقل المواهب، لكن يبقى الدور الأكبر على الشباب لتقديم تجارب على تماس مع المجتمع، بحيث يصبح لـ«أبوالفنون» حضور جماهيري.
وأضاف أن «هناك كسلاً لدى الشباب في التحصيل المعرفي عن ماهية المسرح، لا بل تسيطر عليهم الإغراءات في الحصول على الجوائز، فيكون همّهم الأول الحصول على جائزة، علماً بأن نجاح المسرح يبدأ من المتلقي».
وطالب الشباب بالتركيز على استهداف المتلقي، أكثر من الجوائز، لأنه يبقى للجنة التحكيم قرارها الذي لابد أنه سيعتمد على المعايير والذائقة أيضاً، ناصحاً الشباب بالبحث عن ذائقة المتلقي بالدرجة الأولى، وكيف سيؤثر العمل في الحضور، وتقديم الفرجة المسرحية المبهرة، لأنها مجتمعة تسهم في تطوير الفرجة في «أبوالفنون»، لاسيما أن المسرح فن جماعي، ولا يمكن بناؤه على نحو فردي.
واعتبر أن المشكلة الأساسية في الأعمال المسرحية الشبابية ليست في عنصر واحد فقط، بل في الفرجة مجتمعة، إذ لابد من التركيز على النص والإخراج والأداء الخاص بالممثلين، لافتاً إلى أن «نظام المهرجانات حوّل المسرح إلى ساحة سباق غير مرتبطة بالذائقة والفن والجمال، وبعض الشباب دخلوا السباق كالأحصنة، وأغلبيتهم يسعون للفوز، وباتوا يقلدون الكبار ويعتقدون أن هذا النوع من الأعمال هو الذي يؤدي إلى الجوائز».
وانتقد وجود نصوص منفصلة عن بيئتها، تكون سوداوية، إذ يغيب عن بعض الشباب أن اختيارهم للمواضيع وبعض الأزمات التي لا تعني الجمهور، سيبعد المشاهدين عن التواصل مع العرض، مع الإشارة إلى أعمال شبابية استطاعت أن تحقق تأثيرها الإيجابي والجيد في الساحة.
إثبات الوجود
أ
ما المخرج والكاتب الشاب عبدالله المهيري، فقال إن التحديات التي تواجهه في المسرح، تتبدل من فترة لأخرى، لكنها في الوقت الراهن تتمثل بشكل أساسي في إثبات الوجود، مشيراً إلى أن هناك حالة من التعميم في النقد القاسي الموجّه للشباب، دون وجود فصل أو ثناء على المجموعة التي تعمل على نحو أفضل وجاد.
ولفت إلى «وجود معاناة حقيقية مع الميزانيات التي تتوافر للشباب من خلال الدعم المقدم من الجهات الثقافية، لتقديم عمل يحمل فرجة مسرحية متميزة، خصوصاً أن عملية إنتاج العمل المسرحي باتت مكلفة جداً».
وكشف أن الحلول التي يبتكرونها في ظل هذه التحديات، دائماً تعتمد على تعاون المجموعة العاملة في العمل المسرحي، فأماكن العرض والميزانيات والدعم كلها قليلة، كما أن توفير أماكن للتدريب ليس سهلاً دائماً.
وأوضح المهيري – الذي تتنوع تجربته في العمل المسرحي بين الكتابة والإخراج – أن هناك تحديات في المجالين، فالكاتب يعاني الإحباط بشكل أساسي، وهذا السبب الذي قلل عدد المؤلفين، لأنهم يواجهون النقد قبل التشجيع، مشدداً على أن «الشباب بحاجة للتشجيع المختلف، خصوصاً أننا في عصر باتت فيه المنصات التي تقدم الفنان كثيرة، وهناك من يستحقون الدعم في العمل المسرحي، ممن يعملون بشكل جاد على تطوير مهاراتهم بشكل فردي، سواء من خلال حضورهم لمسرحيات عالمية أو حتى تطوير ثقافتهم الشخصية التي تتكون من القراءة وورش العمل».
واقترح تنظيم ورش عامة مختصة في كل العناصر المسرحية وتقدم من متخصصين من خارج الدولة، فضلاً عن الإصغاء للشباب وإلى طبيعة ما يحتاجون إليه، وتقديم الدعم المادي الحقيقي ليتمكن الفنان من العمل والاستمرار والمواكبة، خصوصاً للذين يمتهنون العمل المسرحي وليس مجرد هواية بالنسبة لهم.
ووصف وضع «أبوالفنون» بـ«الجيد وسط حضور مسرحيين متمسكين بالعمل الذي يجبونه، لذا لابد من المزيد من السعي لتطويره».
ورش مهمة.. وإقبال ضعيف
. مطالبات برفع مستوى الأعمال الشابة لتحاكي المجتمع وقضاياه.
. الجميع يتفقون على أن عملية إنتاج العمل المسرحي باتت مكلفة جداً.
. البعض يرى أن المسرح حالياً لا يرتقي للطموح، مقارنة بقطاعات أخرى.